Saturday, June 11, 2011

ايه مشكلتكم مع الشرطة ؟ إحنا محتاجينهم ... خفوا عليهم بقى و كفاية تسخين

طيب نبدأ بالاتفاق على نقاط محددة حتى لا نتوه – شكلها بدهية و لكن سيظهر أنها قد لا تكون بالوضوح المفترض

1-      الأمن أولوية هامة جداً ، بدون أمن لا عمل و لا تجارة و لا سياحة و لا حياة اجتماعيةو لا أى حاجة
2-      معنى الأمن هو حماية المواطنين و منع الجريمة  والتعامل مع الخارجين على القانون
3-      مهمة الشرطة الرئيسية (و المفروض الوحيدة) هى حفظ الامن
4-      ضباط و جنود الشرطة يعملون فى هيئة مدنية ذات طبيعة خاصة و يتقاضون راتبهم من أموال المواطنين – يعنى بيشتغلوا عندى و عندك
5-      هناك مشكلة الآن فى الأمن و فى قيام الشرطة بمهمتها الرئيسية و الوحيدة – لم أتكلم عن الأسباب بعد
متفقين حتى الآن؟ عظيم
و الآن لنفكر فى المشكلة من خلال اسئلة محددة و واضحة:
1-      ما هو سبب المشكلة الأمنية الحالية؟ من المسؤول عنها؟
2-      ما هو سبب التوتر بين الشرطة و عموم الناس خاصة البسطاء ؟
3-      هل هناك مشكلة حقيقية و جذرية فى جهاز الشرطة من سياسة و فلسفة فى الادارة و تدريب و اعداد ضابط الشرطة أم لا؟
سنبدأ المناقشة من السؤال الثالث لأنه سيجيب على الآخرين آلياً
لاحظت منذ فترة (من سنين قبل الثورة و لكن خاصةً بعدها مع اتساع النقاش فى الاعلام) وجود خطاب منظم و موحد و ثابت من جهاز الشرطة بداية من تصريحات القيادات (مبارك و العادلى و حتى طنطاوى) والمتحدث الرسمى للوزارة و مروراً بالصفحة الرسمية للجهاز الاعلامى لوزارة الداخلية ثم الضباط الذين يتصلون فى مداخلات التوك شوز فى الاذاعة و التليفزيون و ينشرون التعليقات فى الصحف و على الفيسبوك حتى كلامهم مع اصدقائهم و عائلاتهم و أخيراً التعليقات القص و اللصق من حسابات وهمية على صفحات الفيسبوك واسعة الانتشار- هذا الخطاب ليس نقلاً عن أحد و إنما سمعته و قرأته و شاهدته بنفسى و  يتلخص فى:
1-      رجال الشرطة يدركون أنهم موظفون يعملون لحساب الشعب و علاقتهم بالشعب كانت ممتازة و طبيعية قبل الثورة (قائد الأمن المركزى بالاسكندرية)
2-      الشرطة كانت دائماً تقوم بدورها حسب القانون و القواعد المعمول بها فى حفظ الامن و استخدام القوة (مداخلات و تصريحات عديدة من قادة و أفراد و طنطاوى)
3-      الأمن كان أفضل قبل الثورة (!)
4-      هناك "بعض التجاوزات" التى حدثت قبل الثورة و تمت محاسبة القائمين بها حسب القانون
5-      لم يكن هناك تعذيب منتشر فى الاقسام و الموضوع مجرد حالات فردية
6-      لم تكن هناك أوامر باطلاق النار على المتظاهرين و انما العدد الكبير "أربك" الضباط و (بعدها قالو العساكر) و ضرب النار كان عشوائى بسبب الذعر و زاد المشكلة ان من نزلوا يوم 28 يناير ليسوا هم من نزلوا يوم 25 و انما "بلطجية" انتشروا و اندسوا
7-      معظم القتلى ليسوا شهداء و انما كانوا بلطجية هجموا على الاقسام و رجال الشرطة كانوا يدافعون عن الأقسام
8-      لم تكن هناك اوامر بفتح السجون
9-      لم تكن هناك اوامر بالانسحاب من الشارع يوم 28 فبراير
10-  "الشرخ" الذى حدث كان من سلبيات الثورة و الشرطة كانت ضحية و لم يكن بيدها شئ
11-  الشرطة عادت الى العمل بعد التنحى مباشرة و رجالها لم يأخذوا يوم واحد إجازة "و شغالين عادى جداً"و
الانفلات الأمنى ليس بسبب الشرطة و انما بسبب الشعب (الروينى و العيسوى)  
12-  الاعلام هو الذى يبالغ فى التركيز على السلبيات و لا يساعد على رأب الصدع بين الشعب و الشرطة
13-  أخيراً الشرطة كانت ضحية للنظام السابق فى الاسراف فى الاعتماد عليها فى كل مشكلة مما شحن الناس ضدها و هم مجرد  عبد المأمور  – زائد العمل ساعات طويلة تحت ضغط شديد و غليان من الناس و مرتبات ضعيفة   
طبعاً كثير من هذا الكلام لا يستحق التعليق عليه أصلاً و لجنة تقصى الحقائق اصدرت تقرير مطول يثبت قطعاً ان المتظاهرين قتلوا عمدأ و ان السجون فتحت متزامنةً و كذلك الأقسام بما فيها مخازن السلاح المغلقة بأبواب حديد و أن النسحاب من الشوارع كان منظماً و واضح انه كان بأوامر و طالما أنهم "عبد المأمور" فغيابهم عن الشارع 4 شهور كان أيضاً بأوامر و كلنا نعلم أن كثيرين ممن أمسكت بهم اللجان الشعبية كانوا من مخبرين و امناء الشرطة و كذلك الذين هاجموا المعتصمين بالتحريرو صور بطاقاتهم و كارنيهات الشرطة نشرت وقتها و سلموا للشرطة العسكرية (و لا نعلم أين هم).
لغة الذين "اندسوا و شباب الفيسبوك الذين تركوا التحرير بعد 25 يناير" سخرنا منها وقتها و لا تستحق الآن الا الضحك.

الجزء المهم و تأصيل السبب فى التحفز المتبادل من الشعب و الشرطة من وجهة نظرى يرجع الى الاسلوب الذى يتم به تدريب الضباط فى الكلية و فى ميدان العمل و الفلسفة التى ينطلقوا منها خاصةً خلال العقود القريبة الماضية و التى تنتج ضابط هو نفسه مشكلة أكثر منه حلاً لأى مشكلة.
1-      الاحساس بالعظمة و الاهمية:
 انتم الافضل و الاقوى و انتم السادة – و الامثلة التى يظهر منها هذا التكبر لا عد لها و لا حصر من الوزير الى الغفير ، و حتى ممن أعرفهم من الأقارب و الأصدقاء الشخصية تتغير تماماً مع لبس البدلة ، حتى شعار الشرطة تغير لكى لا يكون السيد خادماً عند الشعب و المرات الكثيرة التى شاهدت و سمعت بالطريقة التى يتعامل بها الضباط مع الناس خاصة البسطاء ليست أمثلة فردية. و هذا يجتذب الباحثين عن السيادة و التسلط و المكاسب المادية من المتقدمين لكلية الشرطة (و سبق أن عرضت تجربتى فى شكل التقييم النفسى فى الكشف الطبى على المتقدمين) و تستمر الدائرة المغلقة. و من يعتقد أنه الاعظم فسوف يبرر لنفسه تلقى المجاملات و الهدايا و الطناش فى دفع ثمن البقالة و أجر الصنايعى و ميكانيكى السيارة و أجرة التاكسى (تانى البسطاء).  

2-      المتهم مجرم:  
و لابد من استخراج الاعتراف منه بأي شكل ووسيلة، و تلفيق التهم أصبح فناً و الحقيقة التعذيب لم يبدأ بعد التصريح باستخدامه فى قضايا الارهاب بسنوات و ليس تجاوزات فردية أو بسبب ضغط العمل و الغليان العام و العصبية خلال العشر سنين الماضية كما قال خالد. على أي أساس أقيم هذا الادعاء؟
سنة 1991 و فى نفس الوقت الذى بدأ فيه تعذيب "الارهابيين" اضطر احد زملائنا د.مصطفى أحمد شكرى الآن رئيس قسم العظام بمستشفى صيدناوى (و انا أحمله أمانة التبليغ لأنها جرائم لا تسقط بالتقادم) للذهاب الى مديرية أمن القاهرة بعد منتصف الليل بسبب سرقة سيارة و شاهد بعينيه تعليق متهمين من ايديهم المربوطة من الخلف فى الباب و ضرب باللكمات و ركل ثم صعق بالكهرباء و حتى لم يحاولوا أن يخفوا عنه ما يفعلوه (كان جاى بواسطة كبيرة) و هم يحققون مع "المتهمين" مع فاصل من السخرية و السباب الفاخر.
أضف كذلك آلاف من التقارير و الشكاوى بحالات التعذيب الموثقة بهيئات حقوق الانسان و العديد من أحكام القضاء (و لكن القضاء مشكلة أخرى)

3-      لا تخف نحن الحكومة و القانون معك :
و هذه كبرى المهازل بدايةً بقانون الطورئ الذي يطلق يد الشرطة بدون أي تقييد قانونى حقوقى و عدم وجود رقابة حقيقة على عمل الجهاز أو ميزانيته أو سياسته ثم تعريف التعذيب القانونى وتجاهل البلاغات ووضعها فى الأدراج و طريقة التحقيق و ترهيب و تهديد الشهود التى تجعل الشرطة خصماً و مصدر للتحريات و المعلومات و أحياناُ حكماً اذا تقدمت بشكوي لادارة التفتيش (و ساعتها أكبر عقوبة هى النقل!) بدلاً من بلاغ للنيابة. و حتى فى النيابة - فإذا تغاضينا عن حالات التواطؤ فى تلفيق التهم  نرى أن القانون يمنع حبس الضابط المتهم على ذمة التحقيق حتى لو كان الاتهام بالقتل! ثم الاحكام الهزلية و عودتهم للخدمة و الترقية بعد الخروج من السجن! مثلاً مفتش مباحث شمال الجيزة الحالى (عرفةمحمود حسن) حكم عليه سنة 2002 بالحبس سنة بعد أن عذب 3 ايام حتى الموت أحمد محمود محمد  فى 12\1999 مجاملة لواحد اتخانق مع المجنى عليه !3 سنين محاكمة و بعدها سنة سجن ؟ ده لو كان قتل حمار فى الشارع كان ياخذ سنتين  سجن و بعدها يرجع الخدمة و يترقى و يصبح فى موقع قيادى في الشرطة بعد الثورة!

4-      أمن الدولة:
افعل ما تشاء لن يستطيع أحد أن يمسك بسوء. لم يحاكم ضابط واحد من ضباط أمن الدولة لا على تعذيب و قتل و لا اعتقال و حبس 30 سنة بدون محكمة و لا على تدمير وثائق مملوكة للدولة و لا نعرف أى شئ عن الفرع الجديد "الأمن الوطنى" تم تجاهل المطالب المتكررة  بوجود رقابة قضائية مباشرة.
إذاً نظرنا لكل ماسبق وصلنا الى أنه:
أولاً: ممارسات ضباط و افراد الشرطة لابد أن تولد كراهية عميقة قى قلوب الناس – إهانة و سرقة و تعذيب و قتل مع غياب للرقابة و للعدالة فى المحاسبة
ثانياً: المشكلة ليست وقتية و لا استثنائية فى أفراد من الجهاز الشرطى و لكنها متأصلة فى جذوره من فلسفة التدريب و ادارة الأمن و الغطاء القانونى الذى يحميه و غياب الرقابة من المجتمع المدنى. و بدون اصلاح منهجى علمى شامل و بجدول واضح و معلن للتأكد من تنفيذه بآلية رقابية مدنية  فإن النتائج ستكون مشوشة و تتغير حسب المناخ و المزاج السياسى السائد و مزاج الرئيس و الحكومة.
شهادة لله فى حق المصريين : إنها معجزة و فضل من الله على مصر أنه رغم كل ما سبق فإن عدداً محترماً جداً من ضباط الشرطة تمسكوا بفطرتهم السليمة و ربما التربية القويمة أو هبة من الله و التزموا بتقوى الله ثم طبقوا ما درسوا فى المحاضرات من قواعد و قوانين رغم أن كثير من زملائهم ألقوه فى أقرب صفيحة زبالة مع التخرج و بدأوا العمل "الواقعى"!
هؤلاء نوعية نفيسة جداً من البشر ذات قدرات نادرة و هم أولى الناس بالتقدم لمواقع القيادة لأنهم تمكنوا من التغلب على أوضاع و سياسات لعينة و استمروا فى العمل بنظافة و اخلاص فى أصعب الظروف و يتوقع انه يستطيعوا تنفيذ سياسة التعديل والاصلاح بكفاءة أكثر ممن كانوا أصلاً من منفذى السياسات اللعينة ناهيك عن الجرائم القديمة.  

المشكلة الآن هى استماتة القيادات القديمة التى عملت مع العادلى و مبارك سنوات طويلة فى محاولات لتجنب المسائلة و الحساب على السنين الماضية و ارجاع سيطرتهم على البلد بأى ثمن. الانسحاب المنظم و الهجوم المنسق مع البلطجية بعد ساعات من اختفائهم من الشوارع على البيوت و المحلات و البنوك غالباً كان جزء من خطة العادلى و حكومة مبارك وكان بالأوامر العليا– و ان كان هذا لا يعفيهم من المسؤولية - و لكنهم مسؤولون مباشرةً كبيرهم و صغيرهم عن رفض النزول للعمل 4 شهور و الفرجة على المجرمين و هم يهاجمون الناس و الكذب المنظم  عن النفسيات المتعبة و شرخ و انكسار الشرطة و الهجوم الظالم من الاعلام  بل و اتهام الاعلام بدس السم فى العسل و تسخين الناس على الشرطة ثم المطالبة التهدئة و التعاون  و دعم جهود الشرطة"لرأب الصدع" (الواحد صدع من الكلمة دى!) بدون قيد أو شرط لأن "الأمن باظ بسبب الثورة دى و البلد حتضيع" كما لو كان الناس هم الذين منعوهم من العودة لعملهم أو طلبوا منهم الامتناع أصلاً. هناك كلام كثير تسرب من بعضهم "خلوا الجيش ينفعكم، ابقوا اعرفوا امشوا فى الشارع" و  سفالة الأخ حبلص ثم الأخطر هى تصريحات الضباط الشرفاء أن هذه القيادات هى فى ىالحقيقة وراء الغياب المطول للشرطة عن الشارع (صغار الضباط ذهب بعضهم لمواقع عمله فقيا لخم أنمت فى أجازة مفتوحة لحين تبليغكم بأوامر أخرى روحوا –شهادة اسرة أحدهم)  فى محاولة للىّ ذراع الشعب و تجنب المطالبة بأى مسائلة أو محاكمة للمجرمين منهم أو اشراف مجتمعى على إعادة هيكلة الجهاز و الاكتفاء بحملة علاقات عامة و حوار بدون أجندة و باقات ورود لطلبة المدارس.
"شفتوا انتم محتاجين لنا ازاى ؟ يبقى تسمعوا الكلام و تسيبونا تشتغل براحتنا و تتأدبوا علشان نحميكم و ما نقلبش عليكم"

طيب ايه المشكلة –؟ما هم احنا محتاجين لهم فعلاً ! نفوت المرة دى و المسامح كريم، أهم ترنوا علقة و اتعلموا نخليهم يشتغلوا و بعدين نحاسبهم و اللى يغلط يبقى يتعاقب....
يبقى كأننا ما عملناش أى حاجة!
أولاً: الرسالة ستكون انهم تمكنوا من لىّ ذراع الشعب و حصلوا على السماح و نسيان الجرائم و المحكمات مقابل الأمن– ليه بقى ما يعملوهاش تانى هم و من يليهم؟
ثانياً: أصل المشكلة لم يحل انت لم تغير السياسة و لا التدريب لاعداد الضابط الشاب و لم تعد تأهيل الضابط الذى لا يعرف بديلاً للقوة و الضرب فى التحقيق؟
ثالثاً: من سمح لك أن تتنازل عن حق المصاب و المعذب و الشهيد فى القصاص ممن اعتدى و عذب و قتل؟ فقط صاحب الدم له أن يقبل الدية شرعاً و المجتمع له الحق العام الذى لا يسقط بأى قانون فى أن يقتص من المجرم بمحاكمة عادلة.
كيف أفهم أن تطلب منى أن ابتسم و أقدم الورود و الكلام الجميل لضابط قد يكون يده ملطخة بدماء أخى أو أختى و تمكن من الهروب من المحاكمة بهذه الصفقة الرخيصة؟ عندها سأتشكك فى الكل و أكون متوجساً من الكل و يستمر الاحتقان لأن هناك خوف انه سيتعامل معى بنفس المنطلق و لن أستطيع الحصول على حقى بالقانون اذا كان من صورناهم و هم يقتلون لم يحاكموا و قياداتهم ما زالت فى العمل سيكون هناك تخوف مستمر من رجوع الامور الى ما كانت عليه سابقاً طالما لم يتغير شئ و لم يحاسب الكبارو الانفجار فى هذه الحالة محتوم و المسألو مسأة وقت و بعض من الحوادث (و المعدل سريع..).
 الضباط المحترمون معروفون فى أماكنهم و يشهد لهم الناس بالخير بل أنهم حموهم خلال الفوضى عند اطلاق البلطجية و المساجين والآن يلتفون حول الضباط المخلصين بسرعة ملحوظة و هؤلاء الضباط لا يوجهون أى لوم للاعلام بل يقولون أن الناس تستطيع تمييز من يخلص فى عمله و ستساعده. المشكلة ليست فى الاعلام، هذا خطاب ممجوج و مشكوك فى توجهه خاصة ان وعود الإصلاح الجذرى ما زالت "نحن صرحنا ووعدناو سننفذ ، كل شئ تغير ثقوا فينا و دعونا نعمل".  
آسفين! مش كل مرة تسلم الجرة و لا يلدغ مؤمن من جحر عشر مرات ، يا إما محاسبة جادة و اصلاح و تغيير حقيقى بمنهج واضح و علنى و قابل للمتابعة و الرقابة يا إما انتظروا ما سيأكل الأخضر و اليابس.